زحف قبائل بني هلال ساهم مساهمة فعالة في تعريب تونس بشكل نهائي لكن تسبب كذلك في تمزيق أوصال البلاد وفي إثارة الفوضى في كامل ارجائها...
في السبعينيات من القرن الماضي كان مجرد نطق حرف القاف في العاصمة أو في المدن الكبرى على طريقة سكان القرى والبوادي كفيل لاثارة السخرية وممارسة التمييز الجهوي لكن بعد جحافل النزوح إلى العاصمة بحثا عن فرص عمل أو عن حياة جديدة ومع توالد الأحياء القريبة من العاصمة كحي هلال وحي التضامن بدأت الحساسية تجاه حرف القاف تقل شيئا فشيئا وبدأ حرف القاف(بثلاث نقاط )يجد مكان له في اللغة المتادولة وبدأت الوضعية تتغير فأصبح في حرف القاف دليل إنتماء إلى الطبقة "الرخوة" والميسورة ماديا وسكان الأحياء الراقية..
وحرف القاف بثلاثة نقاط أصبح جزء من "لغة رجّالة" وانقلبت الأية و أصبح من ينطق حرف القاف، خاصة وسط الأحياء الشعبية، مصدر إستهزاء ..
بداية الثمانيات انتشرت لغة القاف بثلاثة نقاط و بعض التلاميذ في المعاهد يتعمدون إستعمال لغة الأحياء الشعبية كرمز إنتماء طبقي ودليل قوة ورجولة لكن إنتشار هذه اللغة, المصابة بالهزال المعنوي (من المعنى) هو إنتشاريمثل ردة فعل على الاحساس بالاقصاء والتهميش أكثر منها إرهصات لميلاد لغة جديدة
كانت هذه اللغة في عهد بورقيبة ممنوعة من دخول التلفزة (لا بد من التفريق هنا بين لغة الأحياء الشعبية ولغة الشعراء الشعبين و "قافلة تسير"إلخ.. )
لكن في بداية التسعينيات وباسم المصالحة مع الذات اصبحنا نرى فرق المزود تغزوا التلفزة (لست بصدد إصدار أحكام قيمة رغم انني لا افضل صراحة هذا النوع من الغناء) واصبحنا نسمع من حين إلى آخر كلاما غريبا عن مسامعنا في التلفزة خاصة في اللمحات الاشهارية ...صحيح اننا نسمع نفس الكلام في الشارع لكن الخطر يكمن في أن التلفزة تمثل أداة يفرض من خلالها جملة من القيم وتترجم ما يمكن القبول به جماعيا وتؤثر في الذوق العام إن وجد!
هكذا تصبح لغة "الحبيب ميغالو " لغة مستساغة من الجميع وأرى فيها أحسن ترجمة لحالة التهميش والأقصاء .. لغة هجينة (الأم شلبة والبو قاروس) وعبارة عن خليط يترجم بحق وضعنا اللغوي وبالتالي الفكري !
لا شك اننا تابعنا كلنا تدخلات لتونسيين عبر شاشات التلفزة العربية أو الفرنسية ولاحظنا الصعوبة الكبيرة التي يجدونها في التعبير عن أفكارهم أما حين يتعلق الأمر بلاعب كرة قدم يدلي بتصريح فالكارثة تصبح أعظم ويكفي احتساب كم مرة اعاد فيها كلمة "معنتها"..
نحن في تونس لا نزال نبحث عن لغتنا ولم نعثر عليها بعد .. فمن جهة كل من حاول الافلات من العربية و تحدث الفرنسية (الحبيب صالحة في التلفزة كمثال ) تجده يتحدث الفرنسية ويفكر بالعربي فتأتي اللغة ركيكة يطغى عليها التصنع و لا فائدة في ذكر ما أشعر به حينها.. وفي الجهة المقابلة كل من حاول الامساك باللغة العربية وجد نفسه خارج التاريخ (يقال في تورا بورا) لان اللغة هي طريقة تفكير ...
الموضوع يستحق بالفعل دراسة والمام بكل جوانبه لكن يبقى السؤال مطروحا: كيف السبيل إلى لغة متجذرة في واقعها خلاقة وقادرة على التعامل مع محيطها وما تاكلش شعير؟
3 commentaires:
اللّغة إن تجمّدت ماتت .. العلاقة بين اللّغات و الثقافات البشريّة هي بطبعها علاقة تبادل و تجاذب و تأثير و إثراء .. خوذ و هات .. طبيعي جدّا أن تصبح لغتنا غير فاعلة بل مفعولا بها باعتبار توقّفها عن التأثير(لمّا ما تمركيش تولّي تقبل على طول الخط) ليس فقط في محيطها الخارجي بل الدّاخلي أيضا
كلّ الحضارات التي تعاقبت على هذه البقعة من الأرض تركت بصمات لها في دارجتنا الجميلة .. كذلك أثّرت دارجة أسلافنا في المالطيين و الصقليين و الإسبان ووو .. و كل وقت و وقتو
Mouch normal ton poste ya Articuler :))
@ soufiene
jinahachi?:-))
Enregistrer un commentaire