dimanche 7 juin 2009

الطاهر بن جلون : الرقابة الدينية والنفاق

هذا المقال للطاهر بن جلون نشر في جريدة القدس تحت العنوان السالف الذكر. مقال يستحق القراءة ..
ترجمة: عبد المنعم الشنتوف

لم أشاهد فيلم عزيز السالمي 'حب مقنع' الذي أصبح محط سجال لسبب بسيط تمثل في معالجته لقضايا الحب والجنس والاعتقاد الديني. تنبغي الإشارة إلى أن بعض وليس كل المغاربة لا يحبون الصورة التي يصوغها الفنانون عنهم. وكلما انتقل الواقع إلى تخييل أو رواية أو فيلم أو مسرحية زاد إحساسهم بالضيق. وما أكثر المرات التي وجدتني فيها عرضة لانتقادات الجمهور لأنني كتبت مشاهد جنسية سميت فيها الأشياء بمسمياتها بمعزل عن أية تعمية أو نفاق. وكنت ألمح دائما في عيونهم هذا الظن السيئ الذي يميز المنافقين. أتذكر أنني أجبت مرة قائلا إنني لا أبتدع شيئا؛ وإنما أكتفي بوصف ما يحدث في مجتمعاتنا، ومن حسن الحظ أن المغاربة رجالا ونساء يمارسون الجنس ويتطورون بفضل اللذة؛ وهو لعمري فعل طبيعي.
لقد ألفنا عادة العيش والتكتم على ممارساتنا. هل يتعلق الأمر بخوف أو خجل من استيهاماتنا؟ خجل يجعل الذات العربية في وضعية التباس كثيف وخوف يحملها على أن تتخوف مما سوف يقوله الجار الذي يعاني بدوره من الخوف ذاته. ومن حسن الحظ أن ثمة سينمائيين وكتابا يضطلعون بمسؤولياتهم. أستند إلى التعريف الذي صاغه بلزاك للروائي: ينبغي لك أن تنقب جيدا في الحياة الاجتماعية برمتها كي تكون روائيا حقيقيا علما بأن الرواية ليست شيئا آخر عدا التاريخ الخاص للأوطان (مشاكل الحياة الزوجية). يعني التنقيب البحث فيما وراء المظاهر وإماطة اللثام عن الواقع والبحث في أعماق الأشياء دون تعمية أو طمس. ذلك أن الكاتب الحقيقي هو الذي يروم دائما كشف النقاب عما يروم المجتمع حجبه أو تزويقه. يثني الجمهور على الكاتب عندما يعالج معضلة الرشوة، لكنه يتحول إلى مثير للفتن عندما يطبق هذه الآفة على القيم الأخلاقية، ونلمس ذلك تحديدا في العهارة التي استشرت بطريقة مثيرة للقلق في البلاد. إذا رغب الروائي نفسه في أن يروي القسوة الوحشية التي تسم العلاقات بين الرجل والمرأة وأن يسمي الأشياء بمسمياتها، فإنه يصبح مثيرا للفتن ويقدم صورة سيئة عن بلاده. والحال أنه لا يفعل شيئا عدا الاضطلاع بدوره في ملاحظة سلوكات وتصرفات مواطنيه ووصف ما لا يظهر للعيان بشكل مباشر. إنه شاهد ومتأمل في آن واحد. لا تحتاج السعادة إلى الأدب ولكن الأمر يختلف حين يتعلق الأمر بمصاعب الحياة.
أعود إلى هذا الفيلم الذي لم أشاهد غير الإعلان عنه على شبكة الإنترنت. لن أقوم بتقييم طريقة إخراج الفيلم، ولكن بصرف النظر عن القصة والطريقة الخاصة التي اعتمدها المخرج في روايتها، فإن ما يثير اهتمامي هو أنها خلفت امتعاضا عند شريحة من المغاربة تسعى إلى حظر الفيلم باسم الإسلام. يتعلق الأمر بدعم إشهاري رائع. المخرج عزيز السالمي شاهد على عصره ومجتمعه، ومن المشروع والحالة هاته أن يبين للجمهور ما يعتقد أنه مفيد ومهم. ووحده الجمهور من يستطيع معاقبته بالعزوف عن الذهاب إلى قاعات العرض السينمائية شريطة السريان السريع لمعلومة التلقي الخائب. بيد أنه لا يحق لنائب برلماني أو زعيم حزب سياسي أن يسحب من فيلم سينمائي رخصة الاستغلال التي منحتها إياه الدولة. ونحن نعيش رغم كل شيء في دولة حق وقانون ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن توضع سلطة الدولة موضع مساءلة من لدن أفراد يلقون دروسا في الأخلاق. إنهم أحرار في أن لا يحبوا هذا النوع من الأفلام وأن ينتقدوه، لكن لا يحق لهم أن يطالبوا بحظره. لقد ولى زمن الحظر السياسي إلى غير رجعة ولن نستبدله برقابة ذات طابع ديني.
كانت الجنسانية دائما في صلب انشغالات الإيديولوجيين الذين يجعلون من الدين بناء سياسيا ونسق أخلاق وسلوكا وبيداغوجيا. وكانت الكنيسة الكاثوليكية قد خاضت صراعا مثيرا للسخرية ضد سينمائيين كبار من عيار بونويل في إسبانيا وفليني في إيطاليا. وقد أدت هذه الحرب التي قادها الحرس القديم إلى نتائج عكسية ومناقضة لما كان ينتظره الأساقفة المصدومون بحفنة من الصور تتعاقب على الشاشة. وبإصدارهم الأوامر لأتباعهم من أجل مقاطعة هاته الأفلام، فإنهم ضمنوا لها نجاحا غير متوقع. . كانت السينما المصرية قد استبطنت رقابة الأزهر، ولم يعد بهذا الصنيع في مقدور أي شخص أن يبرز مشاهد جنسية. وإذا حدث على سيل المثال أن وجد رجل وامرأة في غرفة بها سرير، فإنه لا يجوز لهما أن يقوما بالجلوس. كانت ثمة بعض الاستثناءات مع يوسف شاهين، خصوصا فيما يتعلق بالمثلية الجنسية والزوفيليا. وعموما، فإن السينمائيين الراغبين في الاستمرار في العمل في مصر يتجنبون دائما إثارة غضب ونقمة رجال الدين.
لم يعد الجمهور المغربي الذي يستخدم شبكة الإنترنت ويشاهد يوميا مئات القنوات التلفزيونية العالمية يصدم أو ينزعج مما يراه. ولن تكون مشاهدة فيلم مغربي يروي قصصا من الحياة اليومية ولقاءات وتفاصيل عن الجنس والمشاعر الإنسانية والخيبات والآمال كافية لكي تشعره بالاضطراب.
حين نحاط علما بأن المراهقين يقرؤون منذ قرون الأثر الكلاسيكي العربي 'الروض العاطر في نزهة الخاطر' للشيخ النفزاوي، وحين نعلم بأن الجنس يقدم في هذا الكتاب بدقة والشأن نفسه بالنسبة للأوضاع الجنسية الأكثر استجابة لرغبات الرجال، فإننا نتساءل كيف يمكن لهؤلاء المراهقين أن يشعروا بالضيق حين رؤيتهم لمشهد سينمائي يصور مغربيا ومغربية وهما آخذان في ممارسة الجنس.
ينبغي أن نضع حدا لهذا النفاق وأن ندفع أيضا بالنقاش إلى وسائل الإعلام. يقينا إننا نتحدث عن المثلية الجنسية، وقد عبر كاتب مثل عبد الله الطايع بشجاعة عما عاشه في المغرب. وقد تمكن قبله رشيد أو بفضل صديق فرنسي من أن يتحدث عن الطريقة التي كان يمارس بواسطتها حياته الجنسية. وقد أفصح محمد شكري عن تجاربه في هذا الخصوص في مؤلفه 'الخبز الحافي' الذي أصبح عملا كلاسيكيا. لا ينبغي لنا أن نخفي وجهنا بقناع، وليس من المجدي اضطهاد المثليين الجنسيين؛ لأنهم ببساطة أشخاص مختلفون. ينبغي لنا القبول بالفكرة التي مفادها أن المجتمع ينهض على أساس من التنوع. لا يتعلق الأمر هنا بتسامح؛ لأن مجرد الحديث عن ذلك فيما يتعلق بالمثليين الجنسيين يعتبر بمثابة شتيمة في حقهم. إنهم أشخاص يستحقون الاحترام شأنهم شأن الآخرين. إن بلادنا تتقدم، غير أن بعض القوى السلبية تسعى من أجل عرقلة هذا التقدم. حيث إننا نعيش في جو من الديمقراطية، فإنه ينبغي لنا أن نتحدث جميعا وأن نسعى إلى التقدم في سياق من الاحترام وصون كرامة الجميع
..

0 commentaires:

Enregistrer un commentaire